نشر القاضي عبد الستار البيرقدار مقالا له جاء فيه:.
تعتبر حرية الرأي والتعبير من أساسيات الممارسة الديمقراطية التي تسهر المواثيق الدولية ودساتير ‏اغلب الدول على ضمان هذه الحرية وغيرها من الحريات والحقوق التي توسع من مجال ممارسة ‏المواطن لحقوق لصيقة به منذ الولادة ومرتبطة بماهيته كإنسان كرمته مختلف الشرائع السماوية ‏وعلى رأسها الشريعة الإسلامية التي جعلته خليفة الله في الأرض‎.‎
غير أن هذه الشرائع السماوية وضعت ضوابط وقيودا على هذه الحقوق والحريات ورتبت على ‏مخالفتها الجزاء ان لم يطلب الإنسان الصفح والمغفرة، وفيه قال عز وجل في كتابه الحكيم “مَا ‏يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”، وقوله تعالى “أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى ‏وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ‎ ” ‎.
من يلقي نظرة على المواقع الاجتماعية يصاب بالدهشة التي تدفعه الى الاعتقاد منذ الوهلة ‏الاولى بانه عالم لا يحكمه قانون ولا تدركه يد العدالة فضلا على أن الجالس خلف الشاشة يختبئ ‏خلف أسامي مستعارة قد لا تكشف عن هويته، وبالتالي يصعب معرفته ومتابعته، وان كانت الدولة ‏تحاول أن تؤطر هذا الحقل وتجرم بعض الافعال التي تتم عبر الوسائل المعلوماتية، وهو الامر ‏الذي يشكل نوعا ما ضمانة لحماية الحياة الخاصة للأفراد‎.‎
إن الحديث عن ضمانات حماية الحياة الخاصة مع انتشار وسائل التواصل وتشعبها والتي لم يعد ‏للزمان والمكان أمامها اي اعتبار يبقى غير متحكم في حدوده ويبقى نسبيا جدا، وذلك لان هذه ‏الوسائل خارجة عن رقابة الحكومات ومن الصعب ضبطها بقانون، فلا يحكمها منهج ولا تخضع ‏لأي ضوابط موضوعية تتحكم بها الا ما يريده المتحكمون فيها لتحقيق أغراض معينة غالبا ما ‏ترتبط بالربح او أغراض إيديولوجية قد تكون جهات تدعم في مجال تعميق سلبياتها وتخبط المجتمع ‏في المزيد من الازمات التي يصعب الخروج منها، أو أغراض مذهبية-دينية من خلال ادخال ‏ثقافات غريبة تضرب في الاخلاق- العفة وإدخال الشك في مسلمات دينية أو عملية الاستقطاب ‏والتعبئة لتدمير لحمة المجتمعات وإضعافها، لذلك كان لزاما على الدولة محاولة ضبط هذا المجال ‏بتشريعات تحاول مواكبة الزحف الذي تعرفه وسائل التواصل والتعبير والذي يقترن بتوسع دائرة ‏الاعتداءات على الحياة الخاصة للأفراد‎.‎
‎كما اصبح الرهان قويا على تخليق المجتمع وتوعيته بالأخطار التي تحملها هذه الوسائل التي ‏دخلت إلى الاسرة فقضت فيها على كل معاني الالفة والرحمة، وذلك لما تحمله من افكار هدامة ‏تستعبد الانسان وتجعل منه الخادم المطيع الذي لا يحاول ان يندمج في مجتمعه، وبالتالي لا يؤثر ‏ولا يتأثر بكل ما يحدث حوله ويواجه كل الاحداث التي تحيط به باللامبالاة وانعدام الاحساس ‏تجاهها‎..