كتب استاذ كلية الاعلام بجامعة بغداد الدكتور محمد فلحي مقالا له قال فيه:.
“في هذه اللحظة،انطلقت الصواريخ النووية الصينية نحو الولايات المتحدة في رد صاعق من قبل بكين ضد واشنطن التي ثبت تورطها في شن حرب بيولوجية عن طريق فايروس كورونا لإبادة الشعب الصيني،وسوف يستغرق وصول الصواريخ النووية الصينية نحو واشنطن ونيويورك نحو ربع ساعة،حيث يتوقع الرد الأميركي في غضون دقائق قليلة، وهو ما يعني تفجر شرارة الحرب العالمية الثالثة، التي ستدمر كوكب الأرض،وسوف تشهد هذه الحرب المدمرة جبهات وتحالفات عالمية وإقليمية،وستكون منطقة الشرق الأوسط في قلب الصراع الدموي”!!..عندما كنت أسرد هذا الخبر المفجع،لاحظت تصاعد صيحات الفزع في قاعة الندوة التي كنت محاضراً فيها،وقد أضفت بسرعة:”ولكن الحمد لله يا سادتي أن هذا السيناريو لم يكن سوى جزء من برنامج تلفزيوني خيالي مستقبلي شاهدته قبل قليل، وودت أن أفتتح من خلاله ندوتكم الموقرة حول( المحلل السياسي في ظل الأزمات)!
بدت ملامح الارتياح والترقب على وجوه الحاضرين في ندوة الملتقى الإذاعي والتلفزيوني التي دعاني إليها رئيس الملتقى صديقي الفنان الدكتور صالح الصحن،قبل أسابيع،ورحت بعد انقشاع سحابة الرعب النووي أتساءل بمرارة:ماذا يمكن أن يقول (المحلل السياسي)أمام أحداث مجنونة يرتكبها حمقى يسيطرون على مفاتيح السلطة والمال والسلاح؟!..وهل يمكن للعقل أن ينتصر على الجنون،وهل يستطيع الحكماء والمفكرون إنقاذ البشرية من حماقات بعض الزعماء السياسيين وجرائمهم التي يرتكبونها باسم العدالة المزعومة أو سيادة القانون؟!
كم يبدو مرتبكاً ذلك المحلل المسكين عندما يحاول تفسير حدث أو قضية تحكمها الفوضى ولا تخضع لأي منطق عقلاني،وما أصعب المهمة عندما يكون ذلك المحلل محتالاً منحازاً، وهو يلقي مواعظه وأوهامه على الناس المخدوعين!
في ظل الأزمات يحتاج الجمهور إلى تفسير ما يجري وتوقع ما سيجري، والمحلل السياسي يفترض أن يكون مثل الطبيب في تشخيص المرض ومن ثم وصف علاجه،ولكن واقع الحال يشير إلى وصول تلوث الفساد إلى هذه المهنة الشريفة، التي لم تعد محددة بمعايير أو مواصفات أو شهادات معينة، سوى القدرة على الكلام، والجرأة في الإدعاء،ومحاولة الضحك على الذقون مثل قنوات السحرة والدجالين!
في الأزمات غالباً ما تبرز الإنقسامات الحادة،ويتراجع التفكير المتزن وترتفع صرخات القطيع، ولعل من اسوأ المواقف أن يتناغم صوت الراعي مع قطيعه، ويرتدي الذئب جلد الحمل الوديع!
التحليل السياسي،حسب المواصفات العلمية، هو وسيلة يتم من خلالها إيصال فكرة أو وجهة نظر معينة إلى المتلقي من خلال عرض جميع جوانب الحدث واستنتاج أسبابه ودوافعه، وتوقع ما سوف تؤول إليه الأحداث في المستقبل، ومعرفة تأثيراته على الواقع، وذلك بأفضل المعلومات المتوفرة وأسهل أسلوب ممكن أن يستوعبه المتلقي محاولاً الإجابة عن الأسئلة المعلقة والوقائع المبهمة، وبالتالي يفترض أن يكون لدى الجمهور تصور واضح ورأي محدد تجاه الحدث الذي يشاهده أو يسمعه. والمحلل هو ذلك الشخص المؤهل والمتخصص والقادر على التحليل بطريقة عميقة وموضوعية ومحايدة ومقنعة لجمهور وسائل الإعلام!
الأزمة السياسية الأخيرة التي يشهدها العراق،منذ أشهر عدة، كشفت عن أزمة لا تقل خطورة في وظيفة التحليل السياسي، من أهم مظاهرها غياب الموضوعية والاتزان،في أغلب ما قيل من كلام من قبل أشخاص يتمظرون على الشاشات ويطلقون التوقعات دون مؤهلات أو معلومات!.